آراء


عبد الزهرة الهنداوي

حلم الوظيفة!!

17/07/2022

تخرّج من كلية الهندسة، بتقدير امتياز، لذلك لم ينتظر طويلاً في الجلوس على دكة البطالة، فبعد ايام قلائل، وجد نفسه في احدى الشركات المرموقة..
تطوّرت مهاراته بسرعة، ومعها ارتفع مرتبه الشهري، حتى وصل الى (٢٢) ورقة، الفان ومائتي دولار، ومؤشر الزيادة لم يتوقف، ففي كل شهر يمر، يحصل على مكافأة مالية جيدة، او قسط من الارباح، بالاضافة الى راتبه..

بدأت احلامه تتوسع، فبات يحلم ببيت وزوجة وسيارة فارهة، وربما بتأسيس شركة باسمه، ليصبح رجل اعمال يُشار له بالبنان..

في الجانب الاخر من المشهد، وعندما يعود الى البيت، تستقبله والدته التي افنت سنين عمرها لكي تراه سعيدا، والدته التي لم تكن مقتنعة بالحال الذي هو عليه، فكانت تقول له ان هذا العمل اجهدك كثيرا، حتى تردّت صحتك، واصفرّ وجهك، فانت تستحق وظيفة حكومية!!!، ولعلها بكلامها هذا كانت تدغدغ رغبة في كامنة لديه، فهو عندما كان طالبا في الجامعة، كان يمني نفسه، بأن يصبح موظفا في احدى الوزارات، وينادونه مهندس فلان، ثم مايلبث ان يُرقى الى درجة مدير، وتنثني له وسادة الوظيفة!! ناسيا ان رجال الاعمال يتمتعون بامتيازات لاتشبه تلك التي يتمتع بها الموظفون مهما علت مناصبهم، فهناك رجال اعمال يتناولون افطارهم في لندن ويتغدون في هونكونك، ويبيتون في لاس فيغاس !!..

لم يفارقه حلم الوظيفة الحكومية، على الرغم من المركز المرموق الذي وصله في الشركة، فقد بات لديه رصيدا ماليا في المصرف، وفي عطلة نهاية الاسبوع، يخرج مع اصدقائه، فيسألهم، هل صحيح ان وجهي اصفر وجسمي هزيل بسبب ساعات العمل الطويلة؟!، فيجيبه الاصدقاء، عكس ذلك، فصحته تحسنت، واصبح اكثر وسامة وجاذبية..

لم يدم حاله طويلا، فبعد ثلاث سنوات ونصف من عمله في تلك الشركة، ظهرَ قبوله موظفا في احدى الوزارات، اذ سبق له ان قدم العديد من طلبات التعيين في اكثر من وزارة، ولانه حاصل على درجة الامتياز في الهندسة، فقد قُبل في هذه الوظيفة.

وفي ذلك اليوم، قدّم طلب استقالته من الشركة، امام ذهول وصدمة ارباب العمل وزملائه.. حاولوا ثنيه عن القرار، الا انه رفض بقوة، فخرج من الشركة، حاملا اشيائه في حقيبة علقها على ظهره، وهو يطلق عبارة ظل صداها يتردد في اذان الموجودين: انه مستقبلي ايها السادة!!

وما  ان وصل الى البيت حتى وجد امه قد اعدّت متكئا واحتفالا، دعت له الاقارب والاصدقاء، لمناسبة تعيين ابنها!!

التحق بوظفيته الحكومية، بين عدد كبير من المهندسين، ممن سبقوه في الخدمة، لم يكن ثمة عمل معين يقوم به، فالعدد الموجود، لايتيح له فرصة الظفر بأي مهمة، فكان يومه مترهلا طويلا مملا، على خلاف الحال الذي كان عليه، عندما كان يعمل في شركة القطاع الخاص، راودته غلالة من الحزن وربما الندم، ولكنه سرعان ما ابعدها عن تفكيره، مخاطبا نفسه، انه سيحصل على راتب تقاعدي في المستقبل البعيد، وفي هذا ضمان له ولعائلته!!..

في نهاية الشهر الاول من عمله الجديد، استلم اول راتب من الوظيفة، وكان مقداره اقل من ربع ماكان يحصل عليه في عمله السابق!!


image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام